تخرج من بيتك، تسير في الشوارع، تتفادى فخاخ السيارات وتحرص ألا تصطدم بالبشر، لكنك عادة لا ترجع سالمًا.
البيت العائد إليه، بضع خطوات إلى الداخل، مباشرةً نحو غرفتك باحثًا عن ضماد، سيحتاج الأمر بعض الوقت ليبرأ جرحك.
أقفلت باب غرفتك، بضع خطوات إلى حيث حقيبة يدك، تدخل يدك إلى حيث الهاتف، بضع خطوات على شاشة هاتفك لتدرك أنك بحاجة للنوم بعمق، ربما لألف سنة.
"اعتقدت طويلاً أنني ألاحق الحياة، لكني أدركت مؤخرًا أنها تلاحقني"
"من يسلم من الحرب حتى ولو لم يكن طرفًا فيها، ما دامت الحرب دائرة فحتمًا ستتأذى" يخاطب نفسه، استنتج أخيرًا أنه يجب أن يصير طرفًا، فما دمت متضررًا على أي حال، فلما لا يكون فاعلا، ولربما حاز مغنمًا!
حاول، لكنه سرعان ما أدرك أنه أضعف من أن يكون طرفًا في أية حرب..
لشدة مثابرته وقدرته الفائقة على التجدد؛ لملم خيبته سريعًا وقرر أن يصنع معركة خاصة به، يكون هو جميع أطرافها.
اطمأن لذلك هنيهة، لكنه معركته لم تلبث أن صارت خارجة عن السيطرة.
حين تدرك عجزك حتى عن أمرك، عن أقرب الأشياء لك، عن نفسك، تظن أنها الخيبة الأخيرة وقد قُضي عليك. لكنها لم تكن كذلك.
بدأت رحلة جديدة من محاولة الإفلات من الحياة ومن النفس، رحلة مليئة بالاختباء والتمويه، لا تخلو من خداع الذات أو صدمها بالحقائق.
محزن أن تكون ضحية حرب لست طرفًا فيها.
الحب أحد معارك هذه الحرب، كر وفر، مغنم ومغرم، إقبال وإدبار، لكنك في النهاية متضرر في كل الأحوال، وهي كالعادة ليست حربك.
دائمًا رأيت الحب حاجة يسعى الناس لإشباعها، لفظ براق يختصر عددًا لا حصر له من المشاعر التي لا يشترط أن توجد جميعها ليسمى حبًا.
يظهر أحدهم، يخبرك بأنه يحبك، تتقدم مدفوعًا بجريان الحياة إلى حيث التجربة الجديدة، لتجد نفسك في النهاية ملقى على قارعة طريق وقد أثخنتك الجراح، لا تتذكر شيئًا سوى أن تيار الحياة جرفك، وأن حاجتك وغريزتك قد سارت مع التيار، أفكارك وذاكرتك أفقدتك الوعي وبدأتا معركتهما لتستفيق على النتيجة: متضرر أيًا كانت.
التعلم، العمل، العلاقات بمختلف مستوياتها، وحتى الرمز، والمجاز المتهالك، كلها محاولات محمومة للإفلات من الحياة، لأن لا نضطر لخوض حروب لا نحبها ولسنا طرفًا فيها، لكي نكون خارج الصراعات ونستريح قليلاً من كوننا متعبين وجرحى.
والصبر على مثل هذه العذابات لا يقدر عليه إنسان ضعيف مهما حاول، كل هذا الجهل والخوف والتضرر يلزمه استعانة بالله، دون مجاز ولا رمز ولا تمويه؛ مثل هذه الحياة لا يحتملها بشر.
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية