الأرض، أُم حنون، واسع صدرها لمن يمشون فوقها ولمن ينامون تحتها
الأرض، بيت كبير لا يخلو من صخب
الأرض، منبتٌ طيب وأصل كل الخير وقدوة في الكرم ومسرح لكل هبَّات الشر
الأرض، مساحات متباعدة متراصة تخص الكل، إلا أمتار هاهنا تخصني وتخصه
على التراب ينام من لم يعد بإمكانهم أن يذنبوا أو يضيفوا إلى رصيدهم حسنة
أثلج الزمن عندهم، ولا ربيع يلامس الأفق في انتظار طويل لنداء قلب ندي، يرفع إلى السماء بدعوة أو صدقة أو ابتهال.
إليهم أحضر بكل رعشاتي الناطقة في جيوب صدري المتشنج، رافعة يدي لتقرأ السلام على قلوبهم الصامتة
حافية القدمين أدوس على كلام الشيخ الذي نهاني عن زيارتهم، لكأنما خاف أن يوقظهم بكائي الطويل أو يزعجهم أنيني المضمر أو يعيدهم حزني الدائم إلى الحياة.
أنا حزن يسير بين القبور إلى باب الموت دون أن أطرقه
وتأخذني خيالاتي وكل الأماني، لو أن الموت يتجلى لي ويفك أسراره أمام حيرتي
وهو الذي ظل عصي المعنى إلى أن اخترقني برحيلهم
وأذاقني من كأس لا يقتل، لكنه لا يحيي فيَّ شيئا مما انكسر
بسؤالي أنادي من شُلَّ عن الجواب وأنتظر ما لن يأتي أبد الدهر.
على أَسِرَّةٍ من تراب ينام الذين غادرت معهم الفرحة، وصارت عيون الأرض والوجوه تبكيهم
ولا تنضب، حارقة، باذخة في الأسى وسخية بالألم.
أنادي باسم الشوق والحب بأسمائهم، فتتساقط النجوم على رأس الجبل، وأنتظر أن تزهر منها شمعة تبدد ظلمة الجوف
وتأتيني بخبر يقين عما أفعله بما بقي لي من حياة منقوشا على شواهد القبور
كرسالة تلملم نفسي المفجوعة وقبلة تمسد على قلبي المنهك.
أيها الراحلون، أحبتي وأحبته، يوم غبتم غابت أرواحنا معكم، تَكَرَّموا وأعيدونا الينا أو خذونا إليكم فطعم الفقد يدمي الأفواه والحسرات كثيرة لا تبلع
جربنا أن نخيط من الحياة ثوبا ولم يناسب مقاسنا إلا رداء الموت المجلجل، مطرزا بعبق الذكريات يثقل الأكتاف والعود غض لا يتحمل
عشتم كراما وعدتم لتشاركونا عبير التراب، وتتشاركوا معنا المكان وركام الأيام
حاضرون كما لو أن الموت لم ينل منكم مراده، لا نحن ننسى ولا أنتم تملون التجوال بين الأطلال
تَضُمُّون أسماءنا إليكم عنوة ونحن على مفارق الحياة.
باسم الحب والشوق إليكم وبسطوة الموت الذي يضمنا وسور الروح الذي يقطع أوصالنا، أُحْبَسُ قربكم ويرمي به تحت شجرة الطلح
و فقط تحت شجرة الطلح، يطلق العنان لدموعه وينتحب
بكل رجولة يبكيهم دون أن ينقص من كبريائه شيء ودون أن يتجرأ على مقاطعته أو مواساته أحد...
هناك فقط يمارس كامل حقوقه في أن يكون إنسانا كاملا ومحبا بحق.
وإني لأراكم في عينيه سهما يقتل كل نسمة فرح، وفي الأعياد أهازيج قاسية تدوي في قلبي قبل قلبه
ولا أستطيع أن أنبس بحرف، كندبة عار على وجه القلب، لا ينفع معها تجميل، كلما سئلت عنها أتذرع بالقدر.
يا حزين المطر، في قلبي وجع دفين أود إغتياله فأين سيف فرحك مني؟
تسرقك لوعة الموتى ولا تبقي لي منك شيء ولا حق في العتب.
أخبرني كيف أبكيك وأنت حي تمشي؟
أخبرني كيف أنادي الأحياء بلغة القبور والتراب الأسود؟
كيف أحتضن ضحايا الموت الجانبيين الذين أُزهقت أرواحهم بالغياب دون أن يموتوا
الذين يلبسون الكفن قبل أوانه ويتذوقون سكرات الدار الأخرى ولم تناديهم قط
يتوفون ألف مرة في اليوم امام عجزي المقيت أن أجرهم بعيدا عن الثوب الأبيض كالياسمين
وأفرش أمامهم الألوان لحافا أدثرهم بها، حتى أسمع النبض يدق طبوله إشعاعا
وأوصل شريان الأمل إلى الصدور وأهتف مازال في أعماركم بقية
وأبدد الخوف من سؤالهم الكبير: ما جدوى الحياة بعد فقد الأحبة؟
يا باكيا تحت الطلح... تمنيت لو تنظر في عيني الساهدتين وتقرأ حنيني للحياة
ولحكاية أشعلتني فرحا ذات شفق وردي اخترق السماء عند عتبة نهاية سعيدة،
أن السمراء تسوس الخيل وفارسها يحرث أرض القمح، والشمس تشرق سنابل عند البئر
وأن طير الحمام ظل وفيا للوادي الأخضر ولزخات المطر وإطلالات القمر.
تمنيت لو تهديني سؤالا يفرغ جوفي من الوجع، ويرسم في وجهي إنطباع الأحياء بعيدا عن رشمات الموت بالتقسيط.
تمنيت لو تدرك وجهي المخفي في زحمة الأسى وتنزع عني ما ذبل بآخر موسم فَقْد
وتهديني فسيلة الغذ معيدا لروحي الدفء والقدرة على التمني.
وأعود لأمتطي صهوة الأمل...
وأمشي على الأرض دون أن تهتز قدمي ودون خوف من السقوط
فمنذ أن احتل الحزن مكاني في قلبك، لم أشعر بالأمان إلا بين القبور.
أمسك يدي وساعدني لأعبر حبل الخوف
ترجل عن الموت وامنحني فرصة للعيش
فقبل سكون الموت هناك حياة أود استكشافها ...دون أن أضطر إلى دفنك مرتين.
(حقوق القلم محفوظة لـــ " ابتسام حمامي " ...يمنع الإقتباس دون ذكر المصدر حفظا لحقوق الملكية الفكرية...محبتي)
-
ابتسام حماميأشياء أكبر من أن افهمها ...تسكنني
نشر في 20 أكتوبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 08 يناير 2016
.
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
منذ 3 سنة
" إحدىٰ الرسائل التي ما أُرسلتْ لجُبران"
الأناني جُبران،لم أكن ارغبُ بكل ذلك، ولا كُنت اتخيل هذه النهاية أو اللانهاية بائسة لهذا الحدّ قد تكون -بالنسبةِ لي- ولكَ بمُنتهىٰ الترف والأنانية، هذا شخصك العظيم الذي اتطلعه عَن بُعدٍ بين حينٍ وآخر.. غدىٰ شيءً يجعل مني عجوزاً تبصقُ بوجهِ تصوراتها الراسخة، وكل ذلك لأني لم أنوِ....
مقالات مرتبطة بنفس القسم
leilaamouche
منذ 4 يوم
سرُّوز علِي.
منذ 1 أسبوع
سِمفونيَّة المَوت.
داخل عُزلةِ الأيَّام أعزفُ ألحانَ الحُزن..أكسرُ بها حاجزَ الصَّمتِ الذي راودنيككابوس مُروِّع طيلة حياتيفتُطِلِّينَ بصورتكِ الغانية وخصركِ المُتمايلمستمتعةً بألحانِ قلبي المُرتجفة.سِمْفونيَّة المَوت..تعزفُ لحنَ الوداع الأخير.تلكَ الأوتارُ تجذبني إلى التغبيضفمَا بالُ عيني لا تُجيب؟فينحبسُ الدَّمع داخل مُقلتيّ ويرتكزُ الأسى فوق
زينب المعقول
منذ 1 أسبوع
محمد خلوقي. Khallouki mhammed
منذ 2 أسبوع
hiyam damra
منذ 4 أسبوع
Walaa Atallah
منذ 4 أسبوع
نهيلة بلدي
منذ 4 أسبوع
Nadahassouni01
منذ 1 شهر
نصوص لن تصل
كانت الحياة يومئذ تجتمع بكامل ثقلها فوق كتفاي، لم يكن مزاج حظي جيدا لأيام، لكنني أقبل على الحياة بكامل نقصانها ، أتجمل واتعطر، لعل رذاذ العطر أو انحناءات خصري يهزمانها، لكنها ثابتة لا يغريها عطر فرنسي ولا حسن استثنائي،
ابتسام الضاوي
منذ 2 شهر
وفاء الحمود
منذ 2 شهر
المطر
يتسارع النبض ليشابه في سرعته مرور السحاب العابر لصفحة السماء، تبدو الغيوم قلقة، مكفهرة، ثقيلة الخطوات، يمتد من صدرها أهداب رعد يخرق لحاف صمت طويل، وطيف برق يضيء ظلاماً سكن في هجعة ليل بهيم.تتنادى أحداقها للبكاء، يتسارع وقع السقوط،
Walaa Atallah
منذ 2 شهر
Ebtihal Gawish
منذ 2 شهر
مديري
هذا الرجل صاحب الابتسامة المزيف، والنظارة السخيفة، اقسم اني اشم رايحة عطره منذ صعوده في الدرج، لا يفاجئني بارتداه بنطاله القصير والوانه الغير متناسقة، ان لا يكون حاصد أرواح، بارد القلب بخيل لدرجه انه يصل درجه البكاء عندما اطلب راتبي،
عبد الحكيم عدة
منذ 2 شهر
تكسّرت النصال
حلمت بالظفر، بل تمنيته ..دائماً كنت مهزوز الثقة في نفسي وفي ما حولي ،يراودني ذلك الشّك الخانق كلّ لحظة ،شكٌ كان مبدؤه تساؤلٌ متذاكٍ عن أين أنا ،وإلى أين أمضي ،لكنّ التساؤل اختفى ..أو أنّه تبدد مع مُضيّ الخطوات
Walaa Atallah
منذ 2 شهر