(مشكلة المثقفين الذين لا يفهمهم أحد هي أنهم فخورون بأنهم مثقفون لا يفهمهم أحد )
الروائي د/ أحمد خالد توفيق
كثيراً ما قرأت في منصات التدوين مقالات تهجو الأشخاص – غير المثقفين – و تتهمهم بالجهل و أنهم سبب تأخّر الأمم, بل كثيراً ما قرأت مقالات لمثقفين يهجون مثقفين آخرين لضعف مستواهم الثقافي - على حد قولهم - .
و حقيقة لقد كانت لدي مشكلة دائما مع كلمة (المثقف) , فعلى أي أساس يتم إعتبار الفرد مثقفاً ؟ هل على أساس مستواه التعليمي ؟ أم عدد الكتب التي قرأها ؟ أم عدد الكتب التي كتبها ؟ و ما هي الجهة التي تمنح ذلك اللقب ؟!
لكن مشكلتي الأكبر مع هذا النوع من المثقفين هي أنهم يصنعون لأنفسهم عالمهم الخاص الذي لا يدخله الغوغاء من العوام الجهلة , عالماً طبقيّاً يدخله المثقف هاوٍ صغير ثم يبدأ في التدرّج شيئاً فشيئاً من كاتب نشيط إلى مفكرٍ كبيرٍ إلى محدّث لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيبدأ في التفذلك و التشكيك في كل شيء و كأنه جبرتي هذا العصر الذي يعيد كتابة التاريخ.
حسناً فلأتوقف عند هذا الحد لأنني لو استرسلت في نقد هؤلاء – المثقفين – فلن تكفيني سلسلة مقالات . و لعلك أيها القارئ الكريم تستفسر عن سبب ذلك النقد الشديد . السبب ببساطة هو أن هذا النوع من المثقفين – المتفذلكين – تسببوا في نفور الناس من القراءة بكتاباتهم المتفلسفة و أسلوبهم المعقّد , و هو ما أفسح المجال أمام الكتابات الركيكة التي غزت الأسواق الفترة الماضية فصارت المشكلة مشكلتين : عزوف عن القراءة من جهة و إنتشار للكتابات الواهية من جهة أخرى . و لعلك أيها القارئ قد عاينت هذه المشكلة بنفسك عند مرورك على المكتبات فوجدت نفسك محاصراً بين كتب من نوعية (الإنبعاث الثقافي في زمن القوافي) و كتب أخرى من نوعية (الواد ده حلو سابق سنّه ) .
لذلك فمنذ اللحظة التي قررت فيها أن انشر كتاباتي وقد أخذت على نفسي عهدين , الأول : أن تكون كتاباتي مختصرة و بسيطة قدر الإمكان مع ذكر مصادر معلوماتي . لذلك فإني أحتفظ بنسختين لكتاباتي إحداها طويلة عشوائية مليئة بالمعلومات أحتفظ بها لنفسي , و أخرى منقّحة مختصرة أقوم بنشرها .
و للأسف فإني كثيراً ما أجد من يقولون في نهاية مقالاتهم ( أنا أكتب لنفسي لا للناس , فأنا حر في ما أكتب ) و كأنه يقول للقارئ ( إذا لما يعجبك مقالي فاصمت , فأنت لا تهمني ) . و حقيقة فإن عندي مشكلة كبيرة مع هذا الأمر .
فطالما أنك تكتب لنفسك فلماذا تنشر كتاباتك !
مجرد قيامك بنشر أعمالك أمام االناس – سواء مقال أو رسم أو أي شيء – فهذا معناه أنك تهتم بالفعل برأي الناس و أنه يجب عليك أن تسمع آراءهم و إلا فمن الأفضل أن تحتفظ بها لنفسك .
أما العهد الثاني : فهو الإطلاع على مقالات الآخرين و إبداء رأيي فيها سواء بتأييد رأي الكاتب أو نقده مع تنبيهه لأي أخطاء لغوية أو أي إقتراحات أراها , لأن الكاتب إن لم يجد تشجيعاً فلن يستمر في الكتابة و للأسف لقد تكرّر هذا الأمر كثيراً سواء هنا – في مقال كلاود – أو في اماكن أخرى , أن يعلن كاتب أن هذا هو مقاله الأخير و رغم أنه لا يصرّح أنه توقّف بسبب عدم تلقيه تشجيعاً إلا أنه هذا أمر يُفهم من سياق كلامه و مرارة كلماته .
و إني لأحزن عندما أجد الكثير من المقالات دون تفاعل , إنني هنا لا أتحدّث عن عدد الإعجابات – فالحاصل على أعلى عدد من الإعجابات لن يحصل على مكافأة مالية - , لكنني أتحدّث عن التفاعل بمنظور أشمل , أن تتفاعل مع الكاتب , تناقشه فيما كتب , تستوضح منه عما استعصى عليك , تشعره أن مجهوده في المقال لم يذهب سدى , تعطيه دفعةً إيجابية كي يستمر في الكتابة . إن أغلب كتّاب المنصات الإلكترونية يكتبون ليس بحثاً عن الشهرة أو المال , بل تنفيساً عما بداخلهم حتى لا يختنقوا كمن يمارس الرياضات العنيفة كي يخرج طاقته .
و هذا هو الهدف الرئيسي لمقالي , هو دعوة أن نتبسّط في كتاباتنا , أن نذكر مصادر معلوماتنا إيماناً بحق القارئ في المعرفة , أن نستخدم الأساليب المشوّقة في كتاباتنا مثل الصور و المقاطع المسموعة و المرئية , ألا نحقّر من لا يقرأون بل نحاول أن نجذبهم للقراءة بأساليب مبتكرة لا أن نبني بيننا و بينهم جداراً عازلاً , أن نحوّل الكتابة من مجرد كلمات إلى وسيلة لدعم بعضنا البعض , بالتفاعل , بالتعليقات الإيجابية سواء المؤيدة أو المعارضة لرأي الكاتب , بالإقتراحات و النصائح .
أن نأخذ على بعضنا البعض ( عهد الكتابة ) .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
اعتقد بان من يطلق كلمة مثقف يهدف أحيانا الى التقليل من شأن الشخص المقابل ، وقد تكون الثقافة في موضوع ما مهمة لشخص ما وغير مهمة للأخر ، ولكننا يمكننا اتهام شخص بأنه تارك للثقافة او المعلومات التي قد يكون من البديهي تعلمها ومعرفتها مثال اركان الايمان وأركان الإسلام والمعلومات إذا لم نستخدمها فإن الذاكرة تتركها في غياب النسيان.
و إني لأحزن عندما أجد الكثير من المقالات دون تفاعل
داىما متالق و عبقري في طرحك عمرو
لتلك المعضلة .
حقيقة..شكرا لك
توقفت فى لحظة تامل مع نفسى لماذا اكتب ولمن أكتب ؟ فلم اجد قارئا يشعرنى بصدى مااكتب ولم اجد كذلك شهرة ومال تعيننى على امور الحياة فتوقفت ومرت السنوات حتى قررت العودة بناء على طلب صديق قديم ولسبب واحد فقط اننى شعرت اننى اريد ان اتنفس واشعر بطعم الحياة حتى لو كانت بلا صدى او شهرة او مال.. اسف للاطالة ولكن فكرك الجميل هو ماأثار الشجون .
أضاف لى الكثير وجعلنى أقف على نقاط كنت أغفل عنها فى كتاباتى ..
بالتوفيق..
حاتم قلدس
https://hatemkaldas.wordpress.com/
هذا الجزء لخص كل شيء ... مقالة هادفة تستحق القراءة
التفت إلى امور مهمة في مجال الكتابة،
بداية بمصطلح مثقف ! ولا اخفيك انني كثيرا ما اتسأل هل المثقف من يقرأ كثيرا ؟ وماذا عن القارئ هل هو نفسه مثقف ؟
تمنيتك لو انك استوضحت لي ماهية كلمة مثقف ... متى نطلق على الشخص لقب مثقف ؟ الغزارة علمه وثقافته !
أم لكثرة كتبه ؟ ...الخ ،
- اتفق معك إيضا فيما ذكرت بخصوص نوعية المثقفين ، الذين يكتبون بصياغة معقده وصعبة !! ادت إلى نفوري لبعض الكتب ، مثل كتب تاريخ الأدب العربي وغيرها ...
-اما فيما يتعلق بالذين يقولون انهم يكتبون لأجل لأنفسهم ! ؛ فلعل ذلك نابع عن عدم ثقة في كتاباتهم ، أو غرورا وثقة فيما يكتبون !!
- اما بخصوص التفاعل مع الكاتب بتعليقات ونقد ...
صحيح ماذكرت لكن المهم هو ان يعي القارئ ان الكاتب إنسان له مشاعر ، لذا عليه ان يراعي في نقده ويتبع آداب النقد ؛ بحيث يكون نقده بناءا - لا هداما ! وان يفصل في نقده بين المقال وصاحب المقال ...
واخيرا لدي ملاحظة :
لديك خطأ إملائي ، يرجى تعديله ،
مقال رائع .... تحياتي ~