هل قبض البشير على ثمن الإطاحة بالغندور !
سيناريو تيلرسون يتجدد مع الغندور ..
نشر في 21 أبريل 2018 .
يبدو أن قمة الظهران الأخيرة التي أنعقدت في المملكة العربية السعودية ، أتت بوبالها على وزير الخارجية السوداني ،حيث رجع البشير حاملا تحت جناحه قرارا يقضي بعزل الغندور رفيق دربه الدبلوماسي .
خطاب الوداع الذي ألقاه ابراهيم الغندور تحت قبة البرلمان ، كان القطرة التي أفاضت كأس البشير ، فلم ينتظر الأخير غروب شمس ذلك اليوم حتى وقع مرسوما جمهوريا يقضي بإعفاء الوزير من مهامه ، ليصبح بذلك صفحة مطوية في تاريخ البلاد ، بعدما كان الصندوق السري للدبلوماسية السودانية .
الغندور خلال كلمته الأخيرة أمام نواب البرلمان ، رش الملح على جراح السودان ، وألقى حجرا كبيرا في مياهه الراكدة ، فكانت أرتدادات البشير كفيلة بإنهاء كل ما قاله وزير خارجيته ، الذي كشف اللثام على خدوش السودان الإقتصادية منها والسياسية وحتى العسكرية و الدبلوماسية .
رمح الإستقالة الذي لوح به الغندور قبل أشهر بإتجاه البشير ، عاد ليصيبه سريعا ، فالبشير بخلفيته العسكرية يعتمد على الرد المؤكد لكل حادثة ، حتى وإن طال حدوث الرد ، فكانت كلمة رئيس الدبلوماسية السوداني ، بمثابة الهدية التي ألقاها الأخير للمشير عمر البشير لينهي بها مسيرته ذات السنوات الثلاث الحافلة بالملفات الملغمة .
مصر و السعودية كان لهما حظ الأسد وراء قرار البشير المفاجئ ، و ذلك بسبب ما فعله الغندور من مشاكسات إقليمية ترتبط بمثلث حلايب المتنازع عليه أولا ، و ترسيم الحدود البربة و البحرية بين مصر و السعودية ثانيا ، وإصرار الرجل على الحفاظ على حصة السودان المائية ثالثا ، حيث قدمت وزارة الخارجية السودانية شكاوى عديدة للأمم المتحدة بهذا الخصوص ، وهو الشيئ الذي حرك جمر الضغينة لدى السعودية لتنهي مسيرته بمكالمة هاتفية أول أمس من ولي العهد محمد بن سلمان ، فما كان من البشير الا أن يقدمه ك گبش فداء .
جريرة الغندور الكبرى التي عجلت بإقالته هو تململه الكثير من جهات حكومية لم يسميها علنا ، لكنه أشار إليها بكلمات حادة ، اولها كان تأخير دفع رواتب البعثات الدبلوماسية التي تعيش وضعا مأساويا حسب قوله ، و ثانيها تدخل أطرافا من الدولة العميقة في شؤون عمل الوزارة ، كاشفا بذلك أوراق اللعب على الطاولة السودانية ، عكس البشير ، الذي يفضل إبقاء أوراقه قريبة من صدره ، اللهم إلا إذا كانت هناك طبخة مخفية ، مازالت لم تستوي بعد .
الطبخة التي نتكلم عنها لربما تكون تحضير الرجل المحنك دبلوماسيا لمهمة أكبر ، مثل توليه رئاسة الحكومة في المستقبل القريب ، خاصة إذا علمنا أن البشير يحضر لمراجعة دستور البلاد ، وهو الأمر الذي يقتضي تغيير الحكومة ولو بشكل طفيف ، ولا نستغرب أن نرى الغندور رئيسا لحكومة السودان مستقبلا .
كل الإحتمالات مفتوحة في بلد مثل السودان ، يحكمه المشير العسكري المعروف بشطحاته السياسية ، الذي يذكرنا بالرئيس اليمني المرحوم علي عبدالله صالح ، اذ لا يمكن التنبؤ بخطواتهم القادمة الا فيما ندر ، ذلك أن عمر البشير يهوي الانعطاف والتلون حتى يبقى على الدوام في دائرة الضوء كي لا يضيع وسط زحام المنطقة المتزايد .
أما إذا صحت فرضية تخلي عمر البشير عن خدمات الغندور ، فإننا في هذه الحالة نستطيع التأكيد أنه تم قبض ثمن وزير الخارجية المقال من السعودية بإيعاز مصري ، لغاية في نفس الأخيرة ، أولها الرغبة في التوصل الى إتفاق بشأن سد النهضة الأثيوبي ، بعدما كان الغندور ممددا في السكة رافضا التنازل عن حصة السودان المائية ، وهو الأمر الذي جعل منابر مصر الإعلامية تشن حربا شرسة ، بلغت ذروتها أثناء زيارة الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان مؤخرا .
لا نستبعد تدخل أطرافا خارجية في إقالة الغندور ، فعلى ما يبدو أن الإطاحة بوزراء الخارجية أصبحت هواية جديدة يقوم بها أصحاب الشيكات الجاهزة ، فبعدما سقط ريكس تيليرسون ، وزير الخارجية الأمريكي ، بأموال سعودية اماراتية ، هاهو الغندور الضحية الثانية ، ولا نعلم من هو المستهدف القادم ، ولربما تطول القائمة لتسع وزراء آخرين ، فنحن في زمن يباع ويشترى فيه كل شيئ حتى وإن كان ذلك وزيرا .
ختاما نقول أنه إن لم يعود الغندور بثوب جديد للساحة السياسية ، فعندها نستطيع القول أن البشير خسر رفيقا مهما ، في الدبلوماسية السودانية حسب إعتقادنا ، فلطالما كان الرجل يعد الحصان الأسود في ملفات عديدة تخص مستقبل السودان ، منها مثلث حلايب ، وسد النهضة ، و ترسيم الحدود البرية و البحرية ، والعديد من القضايا الأخرى ، فضلا عن حنكته و خبرته الكبيرة ، اللهم الا اذا كانت هناك أحداثا نجهلها مازالت في طي الخفاء ، ستطفو على السطح في الأيام المقبلة سنحللها فور حدوثها .
والسلام .
-
سامي - بخوشكل الجسور التي عبرتها كنت لوحدي ، لذا لا أدين لأحدكم بشيئ .