بين السما والارض
بين السما والارض
سنة 1960 قدم المخرج صلاح ابو سيف تجربة فريدة فى الإخراج ورؤية نافذة فى فيلم بعنوان " بين السما والارض " استوحاه من تجربة شخصية وفطن إلى أن مصير الإنسان يمكن أن يعلق فى لحظة واحدة وان تتشابك مصائر جماعة من البشر وتصبح حياتهم رهينة لحظة فى مشهد عبقري يجسد ضعف الانسان , مشهد يربك الحواس , لحظة يمتزج فيها الواقع بسحر الخيال فتصبح عاجزا عن أن تميز ان كان ما تراه عيناك حقيقيا ام خيال فى بطولة جماعية لم يطغ فيها نجم على اخر وفى رواية خالدة حملت عنوانا براقا يعكس حقيقة ما جري لأبطال الرواية
والحق ان مشهد غرق الزورق الذى كان ينقل مئات المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى اوروبا قد استدعى لمخيلتى المشهد السينمائي حيث البشر عالقون بلا حول ولا قوة , أما عن المهاجرين فقد دفعهم الامل فى رغد العيش وسعة الرزق التى يتطلع لها من يسلط طريق التهلكة ويعبر البحر ويستقل مراكب الموت والقليل منهم من كان يحالفه الحظ فيصل إلى بر الامان او إلى بر أوروبا !
أكثر من 160 شخصا دفعوا حياتهم ثمنا وبذلوا ارواحهم هربا من شظف العيش وطمعا فى حياة كريمة " آدمية " تليق بهم وبعائلاتهم , ربما يستغرب القاريء متسائلا عن وجه الشبه بين المشهد السينمائي فى رواية " بين السما والارض " وغرق الزورق والحق ان لا تشابه فى الأحداث ربما لكن رواية الفيلم ورواية الواقع جائتا تحملان نفس العنوان فأصبح الأبطال عالقين بين السماء والارض
أكثر من 450 شخصا استقلوا زورقا .. انتووا الهجرة .. عزموا الرحيل .. شدوا الرحال .. حزموا الامتعة .. غير عابئين ولا ابهين للموت اضف الى ذلك ان لا وجود لخطط بديلة , إما الوصول الى اوروبا وإما الموت وليس هناك خيار اخر
أن تختار الما من اصل ألمين .. أن تختار أهون الخسارتين .. هل تعرفون هذا النوع من الخيارات .. من يقدم على هذا السلوك ليس مجرما ولا مختلا وإنما هو مثل كل البشر المتطلعين لحياة افضل .. الباحثين عن فرصة رزق وهناك من يهاجر باحثا عن فرصة حياة !!
450 انسان عالقون بين السماء والارض يحملهم موج البحر لكن البحر لم يؤتهم موثقا او عهدا ان يظل هادئا مساالما حاملا لهم ولاحلامهم عابرا بهم الى الضفة الاخري حيث " الأحلام والامانى والعمل والرزق والزواج والنجاح " وقائمة الامنيات التى يرويها اصحابها حين يسألون عن الدوافع وراء قرار كهذا
450 إنسانا يحشرون فى زورق لا يقوى على حمل نصف العدد خذلتهم ظروفهم المعيشية فأبوا العيش بمذلة وقرروا الهروب من الجحيم وأى جحيم أسوأ من أن تكون فاقدا للهوية وأنت فى وطنك !!
450 تحكى نظراتهم الحزينة للأرض عن ما يساورهم من قلق وحزن وتحكى تطلعاتهم للسماء عن أملهم فى الله ان يجعل لهم سبيلا وأن يلهمهم التوفيق والسداد
كيف لمأساة كهذه ان تستمر وقد اخبرتنا احصائيات مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان هناك قرابة ال 10 الاف قد لقوا حتفهم فى االبحر المتوسط منذ عام 2014 وقد تبدو الاسباب واضحة للمتأمل فى الامر فانتشار البطالة وغياب العدالة فى توزيع الاجور ناهيك عن عدم وجود مشاركة سياسية فعالة فى العديد من بلدان العالم الثالث لهو ايقونة البحث عند الحديث عن هذه المأساة ناهيك ايضا عن هجرة الادمغة وهذه قصة اخري تحرم الدول من الاستفادة من امكاناتها وطاقاتها لصالح الدول الاجنبية
يبدو الحل ممكنا عند تدبر الاسباب فإن امرا جللا كهذا يوجب على الحكومات ان تكف عن ملاحقة معارضيها وان تنتهج اسلوبا اكثر ديمقراطية وحرية مع العمل على قدم وساق على خلق فرص عمل للشباب ووضع جدولا زمنيا للقضاء على الجهل الذي أذهب عقول الوطن والفقر والمرض الذى التهم اجساد المواطنين وذاك هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة حتى لا يكون أمامنا سوى دهاليز الموت وزوارق عالقة " بين السماء والأرض
التعليقات
استمتعت وتأثرت كثيرا بإسلوبك وتعبيرك وسردك للمقال الاكثر من رائع ولكن ملايين من الشعب المصري في زورق لا يتحملهم ملايين من الشعب المصري عالقون بين السما والارض رحم الله الغارقون ونحسبهم عند الله شهداء
وفي انتظار مقالات اخري